معادلة البرودة وألوانه الزاهيه تميزه وارتفاع التكلفه واختفاء صانعيه يهدده
قبل الحديث عن البلاط الفرعوني، يقضي معظمنا يومًا مرهقًا بالعمل سواء ارتدينا ملابس كلاسيكية رسمية أو كاجوال، فإننا نُقيد أقدامنا بحذاء رياضي أو كلاسيكي يحمل ارتفاعًا إضافيًا فيزيد تقيدنا أو يقترب من الأرض لتزداد الأريحية.
ننتظر إنتهاء يوم العمل والوصول إلى المنزل؛ لنتحرر وتُلامس أقدامنا الأرض بعد العناء، والتخلى عن حذاء يُقيد أقدامنا، لتتصل بالأرضية فتستمد منها دفئًا شتاءً وبرودة صيفًا.
لذا يشغلنا كثيرًا عند تأسيس المنزل، خامة الأرضية التى تتنوع باستمرار ليظهر العديد من الخامات بمختلف الإمكانيات والأسعار، فهذه تعكس الصور عليها وهذه تمتص الضوء وأخرى تمتص البرودة وهناك من تُحول الحرارة لبرودة، وبعضها لاتمتص الماء، وهناك أنواع من الخامات سهلة التنظيف ومتعددة الألوان، وغيرها من المميزات والأسباب التى تدفعنا لاقتناء نوع أرضية يلائمنا ويلائم احتياجاتنا وإمكانياتنا.
فالسيراميك والجيرانيت والرخام والمرمر والحجر الحرارى والباركية والبورسليين وكثير من الخامات هي مسميات لما يفترش أرضياتنا وينافس على اختيارنا له وسط كل هذه الخامات والإمكانيات البلاط البلدي الذي يُحاول البقاء على استحياء بمحافظة سوهاج إحدى محافظات صعيد مصر والتى تبعد أكثر من 450 كم عن العاصمة، أي 8 ساعات بقطار السكك الحديدية.
تاريخ البلاط الفرعوني
ويُعد البلاط الفرعوني أو البلاط البلدي وفقًا لمُسماه الدارج بصعيد مصر أحد الصناعات المندثرة بمصر عامة وصعيد مصر خاصة، وتشتهر به محافظة سوهاج.
ولم يتبقى منه الآن إلا عدة ورش تُعد على أصابع الأيدي الواحدة مازالت تعمل فقط تمسكًا بإرث العائلة بالصناعة وحتى لاتندثر تمامًا. ولعل أكثرهم عملًا ورشة واحدة تعمل شهريًا.
البلاط الفرعوني إرث العائلة
ومن داخل ورشة البلاط يقول أحمد رجب صاحب الورشة إن صناعه البلاط البلدى إرث لعائلته منذ أكثر من 250 عامًا ولا يُريد أن يتخلى عنها حتى لاتندثر رغم عمله، ولكنه لن يُقرر يوم إغلاق الورشة بل على العكس تمامًا يسعى لتعليم أبنائه وأبناء أشقائه الصناعة، فقط حفاظًا عليها وليس مصدرًا للرزق، حيث أنها حاليًا لا تدر دخلًا لأسباب عديدة منها ارتفاع التكلفة ووجود العديد من الخامات المنافسة التي يُفضلها الزبائن.
وعن تاريخ البلاط الفرعوني يُضيف رجب أن البلاط البلدي أو الفرعوني له جذور تاريخية حيث يعود إلى العصر الفرعوني بطريقة صياغته وألوانه الثابتة وكذلك قدرته على امتصاص الحرارة وتحويلها لبرودة وكذلك معادلة درجات البرودة.
وتم استخدام البلاط الفرعوني فى المصاطب الملكية، وقد ظل مستخدمًا فيما تلاه من عصور حيث أصبح يستخدم فى المنازل الراقية فيما كانت المنازل ذات المكانة الأقل تستخدم تربيعة الأسمنت وهي نفس فكرة البلاط دون قشط أو تلوين وطباعة.
مراحل صناعة البلاط الفرعوني
ويضيف رجب أن صناعة البلاط الفرعوني شهدت العديد من التغيرات، فقديمًا كانت كل مراحل التصنيع يدوي بينما يستخدم الآن في بعض المراحل الآلات كالتجفيف والخلط والتشغيل والتلوين.
كما أن الأيدي العاملة كانت أكثرة وفرة ومهارة نظرًا لكثرة الطلب، حيث لم يكن متاح بالسوق سواه بدرجاته المختلفة.
وعن مراحل صناعة البلاط يقول رجب إن مكوناته الرئيسية الرمل والأسمنت والحصى، وتبدأ صناعته بخلط الرمل والحصى والأسمنت معًا يدويًا ثم يتم عجنهم من خلال جهاز الخلط الكهربائي والذي يُوفر المجهود والوقت للربع تقريبًا، بخلاف الخلط اليدوي الذي كان يستغرق وقتًا وجهدًا طويلًا فيزيد من أيام التصنيع، ولكن يُوفر كهرباء ويحتاج للعديد من الأيدي العاملة التي كانت متوفرة حينذاك.
طرق تشكيل البلاط الفرعوني
يتم تشكيل البلاط بقالب يدويًا من خلال تقسيم الخليط على قوالب خشبية مربعة الشكل؛ ليتخذ الخليط شكلها المربع ثم يتم ضغطهم داخل القالب بجهاز ضغط كهربائي، بعدها يُتركوا بالشمس ليجفوا مدة لا تقل عن عشرة أيام وفقًا لسطوع الشمس.
وخلال التجفيف يُرش البلاط بالمياه ليكسبه صلابة ويمتص درجات الحرارة المرتفعة، وعقب التجفيف يتم قشط البلاط بماكينة القشط، حيث تُزال الزوائد ثم يتم طباعة البلاط برسومات وألوان مختلفة وفقًا لاسطمبات التلوين والرسم وهي أشكال محددة، يجود بها كل فترة إرضاءً لذوق العملاء، ويُدخل العديد من الألوان الجديدة والزاهية، ولا تتأثر ألوان البلاط الفرعوني ورسوماته بعوامل الزمن.
وعقب الرسم والتلوين بالاسطمبات الجاهزة والتي يجب أن تكون متسلسة بوحدات البلاط ليكون شكل ترتيب البلاط النهائي متناسق.
ثم يترك البلاط ليجف مدة لاتقل عن ثلاثة أيام، ورغم أن الاسطمبات المربعة هي الأصل والأكثر انتشارًا الآن والأسهل في التركيب، لكن أُدخل منذ عدة سنوت اسطمبات مستطيلة ودائرية وسداسية الشكل رغبة في التجويد والتطوير وإرضاءً للعملاء، وذلك عقب ندرة الطلب على البلاط الفرعوني.
ومع تزايد سعر البلاط تزداد ندرة طلبه، كما أن مهارة صناعته لا تنتهى عند البيع بل تمتد إلى تركيبه، حيث يتم تركيبه بطريقة خاصة تعتمد على الرمال والتي توضع على الأرضية ثم تُغطى بمعجون الأسمنت، ثم يُوضع البلاط ويتم القشط والتثبيت مع تناسق الرسم بوحدات البلاط، فلا يتم التركيب سوى بواسطة عمال صناعته.
فالآن لا يطلب البلاط البلدى سوى من يبحث عن معادلة درجات الحراراة بالأرضية، فيستخدم المساحات الواسعة وكذلك بالقرى.
معوقات صناعه البلاط الفرعوني
أحد أهم أخطر العوامل التي تُهدد صناعة البلاط الفرعوني في مصر عامة وصعيد مصر خاصة توفر الاسطمبات (الرسومات الملونة) التي تُطبع على البلاط، فهي لاتنتج سوى فى مدينة طهطا ( وهى إحدى المراكز الشمالية بمحافظة سوهاج )
ومع اندثار الصناعة فلم يتبقى سوى ورشة واحدة تُصنع هذة الاسطمبات لتُغطى ورش البلاط بالصعيد بأكمله، وصاحبها رجل مسن ولم يتوارث أحد أبنائه هذه الصناعة مما يعني أنه بعد وفاته أو اعتزاله طباعة الاسطمبات فستتوقف ورش البلاط عن العمل تمامًا عقب استهلاك مخزون الاسطمبات.
مميزات البلاط الفرعوني
من أبرز مميزات البلاط الفرعوني أنه يتأقلم مع حرارة الجو صيفًا وشتاءًا حيث يمنحك شعور بالبرودة أثناء أشهر الصيف، وشعورًا بالدفء أثناء أشهر الشتاء.
وطُور البعض صناعة البلاط الفرعوني؛ ليُواكب العصر الحديث محتفظًا بخواصه وانتج ما يُعرف ببلاط تيرازو الذي يُستخدم في صناعته كسر الرخام والجرانييت مع الحصى أو عوضًا عنها.
ولعل محافظة سوهاج لا تُحافظ على صناعة البلاط الفرعوني فقط من الاندثار بل بها العديد من الحرف القديمة والتراثية مثل صناعة النسيج والتلى وكذلك الفخار الطيني والسعف.
جدير بالذكر أن البلاط الفرعوني عُرف ببلاد الشام أيضًا وفلسطين، ولعل أكثر المدن شهرة به مدينة نابلس بدولة فلسطين العربية، والتى مازال بها أحد أقدم مصانع البلاط البلدى أو الفرعوني، ومازال العمل بالمصنع قائمًا حتى الآن، ويعد المصنع الوحيد المتبقي بفلسطين لهذه الصناعة وبالشام أجمع.