لا يمكن الحكي عن أسرار وألغاز منطقة آثار سقارة دون الحديث والاستشهاد بقصة موقع السرابيوم المدفون تحت الأرض، الذي حير علماء المصريات، ولم يجدوا له تفسير عن كيفية حفره بطرق هندسية دقيقة محفورة في صخور أرض سقارة وارتباطه بأسطورة الإله أبيس.
السرابيوم
السرابيوم ارتبط بنائه بقصة المعبود الفرعوني القديم المقدس «الثور أبيس»، فقد كانت الثيران أحد أهم المعبودات الحيوانية التي انتشرت عبادتها طوال تاريخ الحضارة المصرية القديمة بل امتدت حتى عصر ملوك البطالمة الذين ورثوا حكم مصر عقب موت الإسكندر الأكبر.
والثور «أبيس» أحد أشهر الثيران الذي قدسها المصريون القدماء، وكان يتم عبادته في مدينة منف عاصمة مصر، والتي تقع حاليًا في قرية ميت رهينة بمحافظة الجيزة، وقد أقام الفراعنة السرابيوم لكي يكون مدفن الثور المقدس أبيس.
لقد عُبد الثور «أبيس» في معابد عرفت باسم السرابيوم، وهناك معبدين باسم السرابيوم، الأول تم بنائه في العصر البطلمي في عاصمتهم الإسكندرية، والثاني يعود تاريخ بنائه للعصر المتأخر من الحضارة المصرية القديمة، وقد اندثر بفعل حركة الصحراء الغربية، ولم يتبق منه غير المقابر التي احتوت على مومياوات الثور أبيس.. وإليك الحكاية.
الثور أبيس
اختيار القدماء المصريين للثور أبيس من بين الثيران كان يتم وفق معتقدهم ورؤى محددة بأنه الثور الذي يكون وحيد أمه، وأن هناك وميض أو برق ينزل من السماء على إحدى البقرات فتلد الثور المقدس على جبهته علامة مربعة بيضاء، يكون ذيله خليط ما بين الشعر الأبيض والأسود، وعلى لسانه رسم للجعران المقدس الذي يرمز لإله الشمس رع ، وعلى ظهره يوجد رسم للنسر، وإذا توافرت تلك الشروط يصبح الثور هو معبودهم المقدس أبيس.
وكان يحتفل المصريون وفقًا لمعتقدهم حينها كل عام بعيد ميلاد الثور أبيس لمدة سبعة أيام، وبعد موته تلبس النساء ثياب الحداد ولا يدخل أفواههن شيئًا غير الماء والخضار، ويتم إعلان الصيام في مصر لمدة سبعين يومًا حتى يتم دفنه داخل المعبد.
فقد نال «أبيس» شهرة لم تنلها الكثير من المعبودات، فهو روح الإله «بتاح» الإله الرئيسي لمدينة منف، كما اعتبر أحد رسل الإله «أوزيريس» إله العالم الأخر الذي كان يرسلها من العالم الأخر إلى الناس لكي يبلغوهم بالموت ولهذا السبب اعتبر أيضًا كروح الإله أوزريس.
وفي عصر ملوك البطالمة أصبح«أبيس» المعبود الرسمي لمصر، وعُبد تحت اسم «سيرابيس» وهو الاسم الذي اشتق منه اسم «السرابيوم».
اكتشاف السرابيوم
أهمية الثور المقدس عند القدماء المصريين والبطالمة أخلفت حيرة عند عالم الآثار الفرنسي« أوجست مارييت» عن اكتشاف مدفنه الذي وردت سيرته في كتابات الرحالة والمؤرخين القدماء، فقد حضر« مارييت» إلى مصر في عام 1850 ميلاديًا بتكليف من الحكومة الفرنسية لتجميع وشراء مخطوطات قبطية قديمة ليتم عرضها ضمن مجموعة المخطوطات بمتحف اللوفر في باريس.
لكن شغف «مارييت» بالحضارة المصرية الكبيرة أكبر من المُهمة المكلف بها، فقد ذكر في كتابه عن قصة اكتشافه السرابيوم: ” ذات يوم صعدت إلى قلعة صلاح الدين وأخذت أتأمل الصحراء المصرية وأهرامات الجيزة، فبدر إلى ذهني ما كتبه الرحاله والمؤرخين القدماء مثل استرابو عن معبد عند الهرم المدرج صف مدخلة بتماثيل أبو الهول المصنوعة من الذهب وكرس لعبادة الثور المقدس أبيس، ولكن هذا المعبد اختفى، لقد ابتلعته الصحراء الغربية”.
في هذه اللحظات طغى فضول «مارييت» في الوصول إلى ذلك السرابيوم عن مهمتة الأساسية، فيذكر «مارييت» أنه استأجر ثلاث حمير لتحمله، وتحمل حقائبة بصحبة عدد من العمال، للكشف عن هذا المكان الأسطوري، وعقب عام من التنقيب في 1851 ميلاديًا، تمكن «مارييت» من الوصول إلى مدخل السرابيوم.
واكتشاف العالم الفرنسي « أوجست مارييت» السرابيوم الذي حير العلماء بوصفه وأسطورة الثور المرتبطة به حدث جلل، لا يقل عن اكتشاف مقبرة ملك الملوك توت عنخ آمون، لكن العثور على المعبد لم يكن وحده هو الغنيمة الكبرى، لكن محاولة فهم كيفية بناء ممراته واكتشاف توابيته، هي التي ما زالت تحير علماء المصريات.
ألغاز السرابيوم
فعند اكتشاف« أوجست مارييت » مدخل السرابيوم، وجد أن الموقع عبارة عن مجموعة من الممرات تحت مستوى سطح الأرض بنحو 10 أمتار، فالمدخل الرئيسي عبارة عن ممرات طويلة ومستديرة محفورة في صخر الأرض.
كما اكتشف مجموعة من التوابيت الخشبية اسُتخدمت لدفن الثيران المقدسة، وقد وجد أن جميع المومياوات بداخلها متحللة، قد ُسرق ما بها من حُلى ذهبية.
واحتوت الممرات على فتحات مشكاوات عثر فيها «مارييت» على مجموعة من البرديات واللوحات التي تخص عبادة الثور أبيس في مصر والطقوس المرتبطة به، مثل ما هي الخصائص التي يجب توافرها في الثور حتى يصبح مقدس، كذلك عُثر على مجموعة من شواهد القبور كُتب عليها بعض من تاريخ الثيران مثل متى ولدوا وفارقوا الحياة؟
التوابيت
لكن اكتشاف 24 تابوتًا من الجرانيت والبازلت داخل المقابر هو أحد أكبر ألغاز السرابيوم حتى اليوم، فالتابوت ضخم الحجم يزن نحو 70 طنًا، ليُثير فضول العلماء كيف دخلت هذه التوابيت ضخمة الحجم في ممرات ضيقة تحت الأرض؟ وإجابة هذا السؤال لم تُحسم حتى اليوم.
وقد وجد العالم الفرنسي« أوجست مارييت » أن جميع التوابيت المتواجدة مفتوحة وخالية من مومياوات العجول، ليضع سؤاله هل هذه التوابيت تمت سرقتها أم أنها كانت بالأساس خاوية؟ إلا أنه قد وجد تابوتًا وحيدًا مغلقًا، وقد وضع أمله أن يكون هذا هو التابوت الوحيد الذي لم يتم نهبه، وقد حاول فتحه بالاستعانة مع العمال، حتى اضطر إلى استخدام الديناميت، لينسف جزء من التابوت، ووجد مومياء متحللة للثور أبيس.
وفي الصالة الوسطي قد وجد تابوتًا من الخشب بداخله مومياء لشخص، الجزء العلوي من التابوت مُحطم، لكن المجموعة الجنائزية للمومياء لم تمس، وهي قناع من الذهب ومجموعة من التمائم والقلائد الذهبية والحجرية، وكلها تحمل اسم الأمير خع ام واس ابن الملك رمسيس الثاني، ويعتقد الآثريون أنها كانت أحد بقايا الثور أبيس شكلت في صورة آدمي، وتم وضع عليها قناع الأمير خع أم واس.
كما عُثر على مجموعة من التماثيل للعجل أبيس والأواني الكانوبية التي تضع مع الموتي ورفات لأبيس، وهذا وفق ما ذكره العالم الفرنسي في كتابه الذي يُعد المرجع الأساسي لقصة السرابيوم.
زيارة السرابيوم
ألغاز وأسرار السرابيوم لا توجد لها إجابات قاطعة وعلى رأسها كيف تم بناء هذا الموقع الذي يحتاج إلى معدات ضخمة للحفر في باطن الأرض؟ وأين ذهبت مومياوات الثور المقدس إذا كان هذا مدفنه؟ وكيف تم بناء هذه التوابيت؟ وكيف حُملت إلى تحت الأرض؟ وعدم وجود إجابات عن هذه الأسئلة جعلت السرابيوم أهم محطات الزائر إلى منطقة آثار سقارة مصر.
أسعار السرابيوم
الأجانب:
البالغين: 150 جنيهًا مصريًا.
طلبة: 75 جنيهًا مصريًا.
المصريين والعرب:
البالغين: 20 جنيهًا مصريًا.
الطلبة: 5 جنيهًا مصريًا.
تذاكر السيارات:
تاكسى/ملاكى: 5 ج. م.
ميني باص: 10 ج. م.
أتوبيس: 20 ج.م.
مواعيد الزيارة:
من الساعة الثامنة صباحًا إلى الخامسة مساءًا
أقرأ أيضًا..
هرم زوسر.. حكاية أقدم مبنى متكامل في العالم داخل آثار سقارة
أسعار دخول منطقة آثار سقارة مصر
متحف ايمحتب بسقارة.. يخلد حكاية أعظم معماريين التاريخ الفرعوني القديم
جبانة لمومياوات القطط والأسود.. ألغاز داخل آثار سقارة مصر